مقالات

مقال الغرور يقتل صاحبه قبل أن يصيب غيره

العالم في هذا العصر يوشك أن ينحدر إلى هوة سحيقة لا يعرف لها قرار. تحشد الحشود وتحرك الأساطيل وحاملات الطائرات وأسلحة الدمار الشامل لمحاربة وهم اسمه الإرهاب لم يحددوا معناه ولم يبينوا أين أهله وأين مواقعهم مع علم الجميع أنهم منتشرون في كل بقاع حتى الولايات المتحدة يقال إن فيها ألف وخمسمائة منظمة إرهابية وعلى قمة الإرهابيين إسرائيل وهذه الدولة التي تريد حشد العالم وراءها لمحاربة الإرهاب لم تقم إلا على الإرهاب إذ قتلت ملايين الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين لقد بلغت درجة من الغرور يوشك أن يفتك بها وقد خاب من افترى.

ولقد حدثنا القرآن الكريم عن الغرور وعواقبه الوخيمة على أصحابه في عدة نماذج:

 حدثنا عن غرور السلطة والوصولجان وتجسد هذا في فرعون الذي قال ” يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ” [ القصص:38] وقال ” أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى ” [النازعات:24] وقال لموسى ” لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ” [الشعراء:29]  وهذا هو عين الإرهاب فماذا كانت عاقبته؟ قال تعالى: “وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” [ يونس:90] وجاء بعده فراعين آخرين فلم يعتبروا فهلكوا.

وحدثنا عن غرور المال والبنين ونموذجه صاحب الجنتين إذ قال لصاحبه في حلق وكبرياء أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ” [ الكهف:34]وكانت عاقبته كما قال تعالى: ” وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ” [ الكهف:42:43]

وحدثنا عن غرور العلم مع المال ونموذجه قارون صاحب القوة الاقتصادية التي فتنت الكثير فاغتر وقال لمن نصحوه أن يصلح ولا يفسد “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ” [القصص:78] فكان العلم والمال نقمة عليه “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ” [القصص:81 ]

وحدثنا عن غرور القوة الغاشمة ممثلة في عاد قوم هود -عليه السلام- “فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ”  [فصلت :15:16] ” سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ” [الحاقة:7]

هذه الأنواع من الغرور تجمعت في الولايات المتحدة الأمريكية فقد بلغت سلطة عالمية لم تحرزها دولة أخرى فاستبد بها الغرور لدرجة أنها تريد أن تخضع العالم لأهوائها فيما يسمى بالنظام العالمي الجديد أو العولمة التي تعنى هيمنة النظام الأمريكي بثقافاته وأفكاره وتقاليده حتى في المطعم والملبس على العالم.

وما على شعوب العالم إلا أن تنفذ أفكارها ولو كانت شاذة وإلا فالويل لها وأخذت تروج للشذوذ الجنسي وإباحة الإجهاض وإشاعة الفحشاء عن طريق المؤتمرات العالمية للسكان وبلغت من ناحية العلم أعلى مرتقى فسخرته للتخريب والتدمير وأما قوتها الاقتصادية فيكفي أن اقتصاد العالم أصبح مرتبطا باقتصادها ودولارها أصبح له الهيمنة على عملات العالم وعن قوتها العسكرية حدث ولا حرج.

ومع ذلك جئتها الضربة الإرهابية من حيث لا تحتسب والضارب طائرات أمريكية ومدنية لا عسكرية وبسرعة البرق وجهت الاتهام إلى العرب والمسلمين قبل إجراء التحقيقات وهذا عين العلق والغرور.

فأين هي الحضارة التي يتباكون عليها.

ما من حدث يصيب أمريكا أو أوربا إلا ونسبوه إلى المسلمين بل إلى الإسلام ذاته وكأنه دين إرهاب وعنف ووحشية كل إرهابي العالم بعيدون عن الشبهات أما الإسلام فهو المتهم وهو المدان وهذا يكشف عن نياتهم ومقاصدهم.

فالإسلام هو الخطر الأخطر – كما يقولون – بعد زوال الخطر الأحمر وهو الشيوعية.

هذا الغرور يؤدي بهم إن عاجلا أو آجلا ولن يكون هلاكهم بمعجزة من السماء كما حدث لعاد وثمود وفرعون وقارون وإنما سيكون على أيدي رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.رجال يكونون جند الله كإخوانهم الذين قضوا على الصليبين والتتار وإمبراطورية بريطانيا التي لم تكن تغيب عنها الشمس وعلى الباقي تدور الدوائر وما ربك بظلام للعبيد.

محمد محمود ندا

مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف سابقا

زر الذهاب إلى الأعلى